الثلوج تُدخل إيران في سكون قسري
طهران لم تشهد مثل هذه المناظر منذ نصف قرن
(الجزيرة نت) -عبد الجليل البخاري-طهران
11/1/2007
بين سماء طهران وأرض مطار الإمام الخميني الدولي المغلفة بالجليد ظلت طائرة رحلتنا إلى إيران تراوح مكانها في دورات التفافية لمدة تزيد عن ساعة ونصف ساعة أملا في أن تستجيب لها الطبيعة وتتمكن من الهبوط بأرض المدرج.
فدرجات الحرارة التي تناهز 14 درجة مئوية تحت الصفر في الليل وكتل الثلج الضخمة التي تغطي طهران ومدنا إيرانية أخرى بشكل غير مسبوق جعلتها تبدو متحفا جليديا يستعصي على الحركة الطبيعية، واضطرت معه السلطات إلى إغلاق مرافق عدة وإلغاء عدد من الرحلات الجوية الدولية والداخلية لمدة يومين.
وبقلق واضح قالت سيدة إيرانية في عقدها الستين "لقد اضطررت لإلغاء رحلتي من الدوحة إلى طهران لمدة يومين متتاليين، واليوم فقط أكد لي ابني أن الأحوال تسير نحو التحسن وتمت إعادة فتح المطار لذلك غامرت بالمجيء".
لكن قائد الطائرة الذي كان يجد نفسه محرجا كل مرة يذكر فيها الركاب بأن الأحوال الجوية لا تساعده على النزول، زاد من مخاوفها لتقول بتلقائية وعربية مكسرة "منذ خمسين سنة لم نر هذا الوضع في طهران".
وفعلا خطفت أخبار الطقس الاهتمام من السياسة في وسائل الإعلام وأحاديث الناس بعد أن أدت إحدى أكثر موجات الثلوج شدة منذ نحو نصف قرن إلى اضطراب كبير في حركة النقل وحياة الناس العادية حيث أغلقت طرقات عدة ووقعت حوادث سير كثيرة في مناطق عدة من البلاد.
وفي طهران التي تموج بـ14 مليون نسمة في حياة دائبة لا تتوقف ليلا ولا نهارا، فرضت الطبيعة سلطتها ليخلد الناس إلى سكون قسري بعد أن اضطر تساقط الثلوج السلطات لإغلاق المدارس ودعوة السكان إلى البقاء بالمنازل.
وأكد ناصر الشاب العراقي الأصل الذي يعيش بإيران منذ نحو 25 عاما أنه لم يشهد هذه الأجواء قط في حياته بهذا البلد، مشيرا إلى أن حركة السيارات في مناطق عدة من طهران شهدت شللا شبه تام.
وقال للجزيرة نت إنه رغم خبرته سائقا في المدينة فإنه واجه كغيره صعوبات في القيادة بسبب الانزلاقات التي تتعرض لها السيارات وتسبب أحيانا حوادث سير مميتة.
وكانت وسائل الإعلام الإيرانية قد ذكرت أن آلاف الأشخاص حوصروا في وقت سابق في بعض الطرق السريعة غرب طهران وتم إنقاذ بعضهم من موت محقق بعد أن غطت الثلوج التي بلغ سمكها مترين سياراتهم.
وبجولة سريعة للجزيرة نت ببعض أهم شوارع طهران، ظهر جليا أن أجواء الثلج هذه خلقت لدى السكان -بالإضافة إلى الاحتماء بأكبر قدر من الألبسة الثقيلة- اكتساب مهارات خاصة في المشي فوق صفائح الجليد بشكل لا يعوق حركتهم المعتادة والأهم من ذلك عدم التعرض لحالات سقوط قد لا تحمد عقباها.
التدفئة
وأصبحت اللازمة المتداولة عند جميع الأشخاص هو ضمان الحصول على التدفئة التي تتم بشكل عام عن طريق إمدادات الغاز، وتقوم السلطات في الشوارع الكبرى بإطلاق أجهزة تدفئة عامة.
ويقول مدير أحد الفنادق بطهران إن الشرط الأساسي الذي يلح عليه الزبائن في هذه الأيام التي تشهد إقبالا جيدا هو ضمان تدفئة جيدة بالغرف. وأضاف للجزيرة نت أن هذا الأمر لم يكن يركز عليه أحد في السابق بالشكل الحالي باعتبار أن كميات الثلوج التي كانت تسقط على طهران الواقعة على سفح جبال البرز في فصل الشتاء، قليلة جدا.
ولتفادي أي انقطاعات في إمدادات الغاز والكهرباء تطلق السلطات نداءات متكررة إلى السكان للاقتصاد في استهلاك الطاقة. ومع ذلك فإن العديد من سكان طهران الذين التقتهم الجزيرة نت يعتبرون أن موجة الثلوج هذه -التي جعلت مدينتهم لوحة بيضاء- هدية من السماء لتنظيفها -ولو لفترة- من التلوث الحاد الذي يخنقها.